هجرة المسلمين الى الحبشة | السيرة النبوية
محتوى الموضوع : ـ
أولاً: ـ أسباب هجرة المسلمين الى الحبشة .
ثانياً :ـ لماذا اختار النبى صلى الله عليه و سلم الحبشة مكان لهجرة المسلمين .
ثالثاً :ـ وقت هجرة المسلمين الى الحبشة .
رابعاً :ـ سعى قريش لدى ملك الحبشة فى رد المهاجرين .
خامساً :ـ كيف كانت حجة عمرو بن العاص فى رد المهاجرين من الحبشة الى قريش .
سادساً :ـ رد فعل ملك الحبشة النجاشى على حجج عمرو بن العاص .
سابعاً :ـ عبقرية جعفر بن ابى طالب فى الرد على حجج عمرو بن العاص .
أولاً: ـ أسباب هجرة المسلمين الى الحبشة .
فعندما اشتد البلاء على اصحاب رسول الله صلى الله عليه و
سلم ، و جعل الكفار يحبسونهم و يعذبونهم بالجوع و العطش ، فلما رأى رسول الله صلى
الله عليه و سلم ما يصيب اصحابه من البلاء ، فقال لهم : " لو خرجتم الى ارض
الحبشة ، فان بها ملك لا يظلم عنده احد ، و هى ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما
انتم فيه " .
فخرج عند ذلك المسلمون من اصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم الى ارض الحبشة ، مخافة الفتنة ، و فرارا الى الله بدينهم ، فكانت اول هجرة
فى الاسلام .
من اسباب الهجرة الى الحبشة : ـ البحث عن مكان آمن للمسلمين والفرار بالدين خشية الفتنة و الحفاظ على الايمان وشرح قضية الاسلام ، و موقف قريش منه ، و اقناع الرأى العام بعدالة قضية المسلمين .
ثانياً :ـ لماذا اختار النبى صلى الله عليه و سلم الحبشة مكان لهجرة المسلمين .
أ-النجاشى ملك الحبشة ملك عادل
ب-النجاشى ملك الحبشة ملك صالح
فقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ثناؤه على ملك
الحبشة بقوله :" و كان بالحبشة ملك صالح يقال له النجاشى ، لا يظلم أحد بأرضه
" و يظهر هذاالصلاح فى حمايته للمسلمين وتأثره بالقرآن الكريم عندما سمعه من
جعفر رضى الله عنه ، و كان معتقده فى النبى عيسى عليه السلام صحيحاً .
ج-الحبشة متجر قريش : فهى من مراكز التجارة فى الجزيرة .
د-الحبشة البلد الآمن .
هـ -محبة الرسول للحبشة و معرفته بها : و ذلك للاسباب الاتية أن النجاشى ملك الحبشة ملك عادل ، التزام اهل الحبشة بالنصرانية و هى أقرب الى الاسلام من الوثنية ، معرفة الرسول بأخبار الحبشة من خلال حاضنته أم أيمن رضى الله عنها فكان الرسول صلى الله عليه وسلم خبيرا بطبائع و أحوال الدول التى فى زمانه .
فكان اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم الهجرة الى الحبشة يشير الى نقطة استراتيجية هامة تمثلت فى معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم بما حوله من الدول و الممالك فكان يعلم طيبها من خبيثها و عادلها من ظالمها ، الامر الذى ساعد على اختيار دار آمنة لهجرة اصحابه ، فكان الرسول عليه أفضل الصلاة و السلام ملما و مطلعا على احوال الامم حوله .
ثالثاً :ـ وقت هجرة المسلمين الى الحبشة .
ـ هجرة المسلمين الاولى الى الحبشة :ـ
غادر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فى رجب من
السنة الخامسة للبعثة و كانوا عشرة رجال و اربع نسوة و قيل : خمس نسوة .
و خرجوا فى سرية،عاش المسلمون ثلاثة اشهر من بدء الهجرة
و حدث تغير كبير على حياة المسلمين فى مكة ، حيث اسلم فى تلك الفترة حمزة بن عبد
المطلب ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم و كان حمزة اعز فتيان قريش فلما دخل فى
الاسلام عرفت قريش ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحميه عمه فكفوا عن بعض ما
كانوا يفعلونه من أذى و تعذيب .
و بعد اسلام حمزة رضى الله عنه ـ أسلم عمر بن الخطاب ـ
رضى الله عنه ، و كان عمر رضى الله عنه ذا
شكيمة .
فكان اسلام الرجلين العظيمين بعد خروج المسلمين الى
الحبشة ، فكان اسلامهما عزة للمسلمين ، و قهرا للمشركين و تشجيعا لأصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم على المجاهرة بعقيدتهم .
و كفت قريش عن ايذائهم بالصورة الوحشية التى كانت تعذبهم
بها قبل ذلك ، فالوضع تغير بالنسبة للمسلمين و الظروف قد تحولت الى أحسن ووصلت هذة
الاخبار للمهاجرين الى الحبشة و فرحوا بهذة الاخبار ، و قرروا الرجوع الى مكة بسبب ما علموا من اسلام حمزة و عمر و اعتقدوا ان
اسلام هذين الصحابيين الجليلين سيقوى شوكة المسلمين .
ـ ولكن بعد ذلك واجهت قريش اسلام حمزة و عمر رضى الله عنهما ـ
بتدبيرات جديدة يتجلى فيها المكر و الدهاء من ناحية و القسوة و العنف من ناحية
اخرى ، فاستخدمت قريش سلاح المقاطعة الاقتصادية و كان نتيجة ذلك هجرة المسلمين الى
الحبشة مرة ثانية و انضم اليهم عدد كبير ممن لم يهاجروا قبل ذلك .
ـ هجرة المسلمين الثانية الى الحبشة :
لما قدم اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مكة من الهجرة
الأولى ، اشتد عليهم قومهم و لقوا منهم أذى شديد ، فإذن لهم رسول الله صلى الله عليه
وسلم فى الهجرة الى ارض الحبشة مرة ثانية ،و لكن هذة المرة كانت أكثر صعوبة و مشقة
لانهم لقوا من قريش تعنيف شديد و نالهم الاذى بطرق أشد .
فكانت هجرتهم لله سبحانه و تعالى .
وكانت هجرتهم هذة المرة أكثر عددا ، قال ابن اسحاق و
غيرة ـ ثلاثة و ثمانون رجلا ، إن كان عمار بن ياسر فيهم ، و اثنان و ثمانون رجلا
إن لم يكن فيهم ، و ثمانى عشرة امرأة : إحدى عشرة قرشيات ، و سبع قرشيات و ذلك عدا
ابنائهم الذين خرجوا معهم صغارا ثم الذين ولدوا لهم فيها .
رابعاً :ـ سعى قريش لدى ملك الحبشة فى رد المهاجرين .
فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد
أمنوا ، واطمأنوا بأرض الحبشة و انهم استقروا هناك لحسن جوار النجاشى ملك الحبشة و تفرغوا
للعبادة لله سبحانه و تعالى ، فأتمروا فيما بينهم أن يبعثوا وفدا للنجاشى لاحضار من
عنده من المسلمين الى مكة .
لم ترضى قريش بخروج المسلمين الى الحبشة و شعرت بالخطر الذى يهدد مصالحها فى المستقبل ، فبدأت قريش تلاحق المهاجرين لكى تنزع هذا الموقع الجديد منهم فى تخطيط منهم محكم ، حيث انهم بدأوا بالهدايا الى النجاشى و الهدايا الى بطارقته (و هو الحاذق بالحرب و امورها ) ، ثم طلب عبد الله بن ابى ربيعة بن المغيرة المخزومى و عمرو بن العاص بن وائل من النجاشى ان يسلمهم المهاجرين اليهم حيث انهم غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم و لم يدخلوا فى دينكم و جاءوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن و لا انتم .
خامساً :ـ كيف كانت حجة عمرو بن العاص فى رد المهاجرين من الحبشة الى قريش .
كان عمرو بن العاص رضى الله عنه فى تلك المرحلة يمثل العداوة لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم .
وكان عمرو بن العاص على مستوى كبير من الذكاء و الدهاء و المكر ، وقبل دخول جعفر و حديثه قام بسرد حججه للنجاشى و كانت حول النقاط الاتية : ـ
ـ تحدث عن بلبلة جو مكة من خلال دعوة محمد صلى الله عليه و سلم للاسلام ، و كان عمرو بن العاص سفير مكة يعنى كلامه مصدق و موثوق فيه امام النجاشى .
ـ و انهم سيفسدوا جو الحبشة كما افسدوا جو مكة ، وان قريش تحب النجاشى و تريد ان تحافظ على صداقتها معه لذلك جاءوا ناصحين للنجاشى و تحذيرة من هذة الفتنة .
ـ و أخطر ما فى امر المهاجرين انهم لا يتبعون دين قريش و لا يتبعون عقيدة النجاشى فهم " لا يشهدون أن عيسى ابن مريم إله " .
و الدليل على ذلك انهم لا يسجدون للملك كما يفعل كل الناس ، فكيف يتم ايوائهم عندك و ذلك لاثارة الرعب فى نفسه.
سادساً :ـ رد فعل ملك الحبشة النجاشى على حجج عمرو بن العاص .
خطة قريش فشلت و ذلك لأن شخصية النجاشى رفضت ان تسلم المسلمين قبل السماع منهم و بذلك اتاح النجاشى للمسلمين الفرصة الى ان يعرضوا قضيتهم العادلة و دينهم القويم .
فارسل النجاشى الى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فاجتمعوا الصحابة حين جائهم رسول النجاشى و طلب منهم الحضور و تدارسوا الموقف فيما بينهم و هكذا كان امر المسلمين شورى بينهم و كل امر يتم عن طريق الشورى هو ادعى الى نجاحه لأنه يضم عقول كثيرة و تبدو مظاهر السمو التربوى فى كون الصحابة لم يختلفوا بل أجمعوا على رأى واحد و عزموا على عرض الاسلام بعزة .
سابعاً :ـ عبقرية جعفر بن ابى طالب فى الرد على حجج عمرو بن العاص .
ـ كان الرسول صلى الله عليه وسلم قائد عظيم على مستوى الاحداث و لذلك وضع جعفر بن ابى طالب كقائد للمسلمين فى الهجرة و تم اختياره من قبل المسلمين المهاجرين ليتحدث باسمهم بين يدى الملك و ليتمكن من مواجهة داهية العرب عمرو بن العاص ، كان جعفر شخصيته امتازت بعدة امور جعلتها تتقدم لسد هذة الثغرة العظيمة منها :
أ- جعفر بن ابى طالب من اقرب الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد عاش معه فى بيت واحد ، فهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم و هذا يجعل النجاشى اكثر اطمئنانا و ثقة بما يعرض عن ابن عمه.
ب ـ و هذا الموقف مع النجاشى يحتاج الى بلاغة و فصاحة و بنو هاشم قمة قريش نسبا و فضلا و الله سبحانه و تعالى اختار نبيه من بنى هاشم و جعفر من بنى هاشم .
ج- فقد اتصف جعفر بسمات السفراء كالفصاحة ، العلم ، حسن الخلق ، الصبر ، الشجاعة ، الحكمة ، المظهر الجذاب ، سعة الحيلة .
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر : " أشبهت خلقي و خلقى " .
ـ كان رد جعفر على اسئلة النجاشى فى غاية الذكاء فقام بالتالى :ـ
أ ـ عدد عيوب الجاهلية و عرضها بصورة تنفر السامع و ركز على الصفات السيئة التى لا تنتهى الا بنبوة .
ب ـ عرض شخصية الرسول الله صلى الله عليه و سلم وأخلاقه العظيمة و صدقه و امانته و معروفا بنسبه .
ج ـ أوضح جعفر محاسن الاسلام و اخلاقه التى تتفق مع اخلاقيات دعوات الانبياء كنبذ عبادة الاوثان و صدق الحديث و اداء الامانة وصلة الرحم و حسن الجوار و اقامة الصلاة و ايتاء الزكاة والكف عن المحارم و الدماء .
د ـ فضح ما فعلته قريش بهم لأنهم رفضوا عبادة الاوثان و آمنوا بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم و تخلقوا بخلقه .
هـ ـ أحسن الثناء على النجاشى بما هو أهله بأنه لا يظلم عنده أحد و أنه يقيم العدل فى قومه .
و ـ و أوضح انهم اختاروا النجاشى من دون الناس فرارا من ظلم هؤلاء الذين يريدون تعذيبهم .
ـ بهذة الحجج و الخطوات الواضحة استأثر بقلب النجاشى و عقله و بقلب و عقل من حوله من البطارقة و القسيسين الحاضرين .
ـ و عندما طلب الملك النجاشى شيئا مما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء جعفرصدر سورة مريم فى غاية الاحكام و الروعة و التأثير ،حتى بكى النجاشى و أساقفته ، و كان اختيار جعفر لسورة مريم يظهر بوضوح حكمة و ذكاء سفير المهاجرين "جعفر" فسورة مريم تتحدث عن مريم و عيسى عليه السلام .
ـ إن عبقرية جعفر رضى الله عنه فى حسن اختيار الموضوع و الزمن المناسب و القلب المتفتح و الشحنة العاطفية أدت الى ان يربح الملك الى جانبه .
ـ كان رد جعفر عندما سأله النجاشى عن عيسى عليه السلام ، بأنهم لا يألهون عيسى ابن مريم و كذلك لا يخوضون فى عرض مريم عليها السلام ـ وان عيسى ابن مريم كلمة الله و روحه القاها الى مريم البتول العذراء الطاهرة و ليس عند النجاشى زيادة عما قال جعفر.
ثامناً :ـ النتائج المترتبة على فشل خطة قريش فى رد المهاجرين .
ـ اعلن
النجاشى صدق القوم ، و عزم على ان يكون فى خدمة رسول الله
صلى الله عليه وسلم و ان يتقرب الى الله بحماية اصحابه و أكد لعمرو انه لا يهتم
بتجارة قريش و لا مال و لا جاه قريش و لو قطعت علاقتها معه .
ـ و بذلك
انهزمت قريش فى هذه الجبهة سياسيا و معنويا و اعلاميا امام مقاومة المسلمين
الموفقة و خطواتهم و اساليبهم الرصينة .
ـ و قد أسلم
النجاشى و صدق بنبوة النبى صلى الله عليه وسلم و إن كان أخفى ايمانه عن قومه ،
فعن ابى هريرة رضى الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشى
في اليوم الذى مات فيه و خرج بهم الى المصلى فصف بهم و كبر عليه اربع تكبيرات
" ، و عن جابر رضى الله عنه قال : قال النبى صلى الله عليه وسلم حين مات
النجاشى : " مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة " رضى
الله عنه و ارضاه ، و كانت وفاته سنة تسع عند الاكثر و قيل سنة ثمان قبل فتح مكة .
ـ و كانت
بداية اسلام عمرو بن العاص رضى الله عنه بأرض الحبشة .